تأملوا أيها الأحباء أمانة محبة الله؛ لقد دبرت أمانة الله من نحو أرملة صرفة صيدون طعام يوم بيوم. في الجدوب كان لها طعامها، ولولدها، ولضيف هو إيليا. أعواز الثلاثة تُسدد صباحًا وظهرًا ومساءً كل يوم «كُوَّارُ الدَّقِيقِ لَمْ يَفْرُغْ، وَكُوزُ الزَّيْتِ لَمْ يَنْقُصْ، حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ». أعواز مستمرة، وإمدادات مستمرة. كانت تلك الأرملة تخطو ذاهبة كل يوم إلى كُوَّار الدَّقِيقِ وإلى كُوز الزَّيْتِ. وفي كل يوم تجد الكُوَّار كما هو، والكُوز كما هو.

ونحن أيها الأحباء لنا أعواز يومية. ولأن هذه الأعواز مستمرة ومُتجددة ومتكررة، نظن أن كُوَّار الدَّقِيقِ لا بد يومًا يَفْرُغُ، وأن كُوز الزَّيْتِ لا بد يومًا يجف. ولكن حاشا أن يكون الأمر كذلك. و“حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ” لن يكون الأمر كذلك. مع كل صباح جديد، تأتي أعواز جديدة وتوقعات جديدة، ولكن مع كل صباح جديد توجد معونة جديدة، وحتى ولو جاوزنا عمر “مَتُوشَالَحَ” ( تك 5: 27 )، وزادت أعوازنا على رمل البحر عددًا، فإن رحمة الله ونعمته سوف تبقى وتدوم، ولن يعوزنا شيء من الخير.

وعلى مدى سنوات في أيام تلك الأرملة، لم يكن طَلٌّ ولا مَطَرٌ. كان قحط وجوع في كل الأرض، ولكن لم تجع تلك الأرملة، بل كانت تنعم بالخير. إن رجاء الشرير يبيد لأنه يتكل على موارد منظورة بشرية، ومستند الفريسي يضمحل لأنه يبني على الرمل. وحتى نحن نخسر أشياء كثيرة، ويضيع تعبنا باطلاً، إذا كنا نزرع من الجسد وللجسد، ونعود ونختبر أن الله وحده لنا ملجأ وحصن ومخبأ.

أيها الأحباء: لنضع ثقتنا في إلهنا. ذاك أفضل من كل الكنوز حتى ولو جُمِعَت كلها في خزائننا. إن كنوز العالم تفرغ، وموارد الأرض تجف. أما رحمته فإلى الأبد.

«إِنْ زَادَ الْغِنَى فَلاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا. مَرَّةً وَاحِدَةً تَكَلَّمَ الرَّبُّ، وَهَاتَيْنِ الاِثْنَتَيْنِ سَمِعْتُ: أَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ، وَلَكَ يَا رَبُّ الرَّحْمَةُ، لأَنَّكَ أَنْتَ تُجَازِي الإِنْسَانَ كَعَمَلِهِ» ( مز 62: 10 ، 11).

ف. ب. ماير