ما أروع هذا المشهد البديع حيث يجلس الفخاري منهمكًا في تشكيل الإناء الموضوع أمامه على الدولاب حتى يخرج من بين يديه كما كان يتصوَّره في عقله، فترتسم الابتسامة على شفتي الفخاري مُعلنة نجاح مهمته في إعداد الوعاء للاستخدام المطلوب، وما أجمل أن يشبِّه الرب نفسه بالفخاري! ففي هذا التشبيه دروس عظيمة لنا:

ـ الفخاري والوعاء: حينما نزل النبي إرميا لبيت الفخاري لم يجد هناك إلا الفخاري منفردًا بالوعاء، مستمتعًا بتشكيله، ومتفننًا في صُنعه. هناك في هدوء تام يصنع الفخاري عمله بإتقان شديد. ألا يذكِّرنا هذا بقول الرب لإيليا: «انطلق من هنا واتجه نحو المشرق، واختبئ عند نهر كريث» (1ملوك17: 13) وهناك عند نهر كريث كان إيليا على الدولاب والرب يشكِّل فيه على انفراد، وكذلك يوسف في السجن، وموسى في البرية، وبطرس عند بحيرة طبرية، وبولس في العربية... الخ. فكل رجال الله الذين استخدمهم عبر التاريخ كانوا نتاج عمل الفخاري الأعظم الذي يعرف جيدًا كيف يصيغ من الطين أواني نافعة له ولخدمته.

ـ على الدولاب: الأمر الجدير بالملاحظة أن دولاب الفخاري يدور طوال الوقت، وبينما يدور الدولاب فإن الفخاري يشكِّل بأصابعه في الإناء حتى يكتمل تمامًا. ودوران الدولاب رمز لتقلبات الحياة وتغييرات الظروف، فيومًا تجد يوسف لابسًا القميص الملوَّن ومتمتعًا بأحضان أبيه، بينما في يوم آخر تجده يُباع عبدًا في أرض مصر، ثم بعدها يصبح وكيلاً على كل بيت فوطيفار، بعدها يصير وحيدًا تواريه أبواب السجن، ثم نراه متسلطًا على كل أرض مصر. إنه الدولاب الذي لا يكف عن الدوران. لكن ما يجعلنا مطمئنين هادئين غير خائفين أننا لسنا متروكين هناك على الدولاب لكن عيني الفخاري تتابع كل ما يحدث، وأصابعه تشكِّل بكل حكمة ومهارة ودقة. فلا مكان للصُدَف، ولا مجال للظروف. فالكل تحت سيطرته وبين يديه إلى أن يصبح كلٌ منا إناءً كما أراد الفخاري أن يصنعه.


أنجز يا ربي قصدكَ بي كيِّف حياتي كما تشاءْ


باسم شكري