Sat | 2013.Mar.30

مَنْ أَنْتَ؟


مَنْ أَنْتَ ... مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ ( يوحنا ١: ٢٢ ، ٢٣)

عزيزي القارئ: لو أنك سُئلت هذا السؤال بالذات: «ماذا تقول عن نفسك؟»، فماذا تكون إجابتك؟ يقينًا إنك لن تُجيب: ”أنا قديس مُفرز لله. وأنا أعيش في جو من الروحانية السامية. ولقد استخدمني الرب مرات عدة“. مثل هذا الافتخار ينُّم عن أنك لم تتعلَّم كفاية مِن الشخص ”الوديع والمتواضع القلب“، وستكون دليلاً دامغًا على أنك بعيد كل البُعد عن روح التواضع التي تُصرِّح: ما نحن إلا «عبِيدٌ بَطَّالون» ( لو 17: 10 ).

وعندما أشار يوحنا إلى نفسه باعتباره ”صوتًا“، استعمل ذات اللفظ الذي قاله عنه الروح القدس قبل سبعمائة سنة. إذ كتب إشعياء النبي: «صوتُ صارخٍ في البرية: أعدُّوا طريق الرب. قوِّموا في القفر سبيلاً لإلهنا» ( يو 5: 35 ). ولا يمكننا إلا أن نعتقد أن هذا اللَّقب كان من اختيار وتعيين الوحي المقدس لغاية خاصة. وسبق أن أخبر يوحنا الحبيب، عندما كان بصَدَد الحديث عن ألقاب الرب يسوع، أن المسيح هو النور (يو1: 7)، إلا أن الرب نفسه أشار إلى المعمدان باعتباره «السراج المُوْقَد المُنير» (يو5: 35)، ليُبين الاختلاف بينه كالنور وبين يوحنا؛ السراج. وهنا نجد مفارقة أخرى: فالمسيح هو ”الكلمة“ في حين كان يوحنا ”الصوت“. فما هي الأفكار التي يمكن أن نجنيها بالتأمل في هذا اللقب؟

في المقام الأول: تكون الكلمة في الذهن قبل أن يعلنها الصوت. وهكذا كانت العلاقة بين المسيح وسابقه. صحيح إن يوحنا أُعلن على المَلأ أولاً، ولكن المسيح، الكلمة، كائن منذ الأزل.

ثم إن الصوت ببساطة هو المركَبة التي تُعبِّر عن الكلمة أو تذيعها. وهكذا كان يوحنا. فموضوع إرسالية وغرض خدمته: أن يشهد للكلمة. ثم إن الصوت يُسمع ولا يُرى، ولم يكن يوحنا يسعى إلى إظهار ذاته. فعمله كان أن يلفت أسماع الشعب إلى رسالة الله حتى يمكنهم أن يُقبلوا إلى ”حَمَل الله“. ليت الرب اليوم يُقيم خدامًا أشبه بيوحنا: فقط أصوات، تُسمع ولا تُرى!

أخيرًا نقول إن ”الكلمة“ تبقى بعد صمت الصوت. فصوت يوحنا خَمَد بالموت، ولكن ”الكلمة“ يبقى إلى الأبد.

نخلُص إلى أنه من اللائق أن يُطلق على الشخص الذي يُقدّم المسيا إلى إسرائيل: ”الصوت“. وما أروع عمق كلمة الله! كم من الكنوز مذخرة في كلمة واحدة! ألا يدعونا ذلك إلى التأمل المتصل فيها، ومن ثم الصلاة بروح الاتضاع.


آرثر بنك



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6