إن سر القوة والنُصرة هو في موارد النعمة الغنية التي لنا، لا في أنفسنا، بل في شخص آخر؛ في ربنا يسوع المسيح الحي إلى أبد الآبدين، والذي لنا فيه الكفاية لمعونتنا وتسنيدنا، والذي يشاء في محبته - بل ويُسرّ - بأن نستند عليه استنادًا كليًا وكاملاً.

إن ”البرية“ هي المكان الوحيد الذي فيه يُهذبنا الرب ويمتحننا بوسائله الإلهية، والذي فيه نتعلَّم ونختبر ضعفنا وانحراف طبيعتنا، ولكن هناك أيضًا نتعلَّم درس الاعتماد على نعمة ربنا يسوع المسيح الكاهن العظيم، وبذا نستطيع الطلوع من البرية مُظهرين كيف أننا في ضعفنا نستند على قوة حبيبنا «تقووا في الرب وفي شدة قوته»، وبذا تصير نعمة المسيح وقوته ظاهرتين في ضعفنا إذ إننا لا نستطيع أن نسير خطوة واحدة في البرية بدونه، وبدون معونته «تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكمَلُ».

ان خدمة المسيح، الكاهن العظيم في الأقداس السماوية، وقوة الروح القدس الساكن فينا متلازمتان، فإننا إذ نستند على حبيبنا نسلك في الوقت ذاته بالروح ولا نُعطي للجسد مكانًا. يا لها من حالة اختبارية مباركة أن يكون للنفس عادة السلوك المستمر خطوة بعد خطوة بقوة الروح القدس! والرب له المجد يُريدنا أن نستند عليه فلا نتحرر فقط من أعمال الجسد، بل نصير قادرين على الطلوع من البرية إلى جو البهجة الإلهية المُنعش.

إن تدريبات البرية كلها لخيرنا ولبركتنا سواء أَ كانت تجارب متنوعة أم أمراضًا جسدية أم أحزانًا أو غير ذلك، وهي وسائل الله معنا لتهذيبنا وتزكية إيماننا، ومتى تدربنا بها فإنها تُنشيء لنا فرحًا أبديًا، فإذا ما انتهت سياحتنا وغربتنا في هذه البرية وطلعنا منها، فإننا لا نخلُص فقط من مشقاتنا وتجاربنا، بل نحمل معنا ثمارها المجيدة؛ نحمل معنا ربحًا وفيرًا لمجد الله وحمده.

إلا أن الطلوع من البرية ليس معناه فقط الانطلاق من هذا العالم لنكون مع المسيح، ولكنه من امتيازنا ونحن هنا في هذا العالم أن نطلع روحيًا من ”البرية“ مستندين على حبيبنا. فحضور الرب المبارك معنا، أو في وسط الكنيسة هو شيء أسمى من اختبارات البرية، فإنه إذ يُخبرنا عن الله أبينا وإلهنا، وعن محبته ومقاصد ومشورات النعمة الأزلية، نكون في دائرة أسمى من البرية واختباراتها. وهناك في اجتماعنا باسمه وفي حضرته المباركة نقدم له من الثمار التي ربحناها من تدريبات البرية.


متى بهنام