Fri | 2022.Aug.26

عادَ وعَمِلَهُ


«وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ »

يحق لنا أن نتعجب! كيف وقع الاختيار على ذلك التلميذ المُتسرع والمندفع، ليكون كاتب لكلمات على جانب كبير من الرقة، وكأروع ما تكون كلمات التعزية التي وقعت على مسامع القديسين المتألمين المضطهدين؟! لكن هذا ما حدث. وهذا ما نرى فيه صنع الفخاري العظيم الذي «عَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ» ( إر 18: 4 ). وتم ذلك عن طريق كلمات الفَخَّاري ونظراته ومعاملاته، مع هذا الوعاء، فخرج إناءٌ للصائغ.

لقد كان الرسول بطرس يختلف تمامًا وهو يكتب رسائله عن ذلك الصياد الذي كان في حياته الأولى، يُمنطق ذاته، ويمضى حاملاً أدوات الصيد، بل وعن ذلك التلميذ الذي نبذ كل شيء، ليتبع المعلم، بدافع الإعجاب. لقد تماسك الرمل وأصبح صخرًا، وأضعف العمر من قوة الرسول وأخذ عنه نضارته، وأحنى هيكله، وكلَّل بالشيب رأسه، فتحوََّل مِن اتكاله على نفسه، إلى مَنْ هو عظيم في قوته. وتخلَّى عن مهارته وحكمته هو، ليستند على الكُلي الحكمة. ولانَت طبيعته تحت تأثير الضيق والألم، وأصبحت رقيقة لطيفة. لقد تمت فيه أخيرًا كلمات الرب له: «أَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» ( لو 22: 32 ). وهكذا أصبحت طبيعته رقيقة لطيفة وديعة شفوقة، وتحوَّلت إلى تربة خصبة ينمو فيها البلسم الشافي للجراح، وأطياب التعزيات الإلهية.

كم عملت النعمة الغنية في ذلك الإناء! لقد أصبح يستخدم سيف الكلمة، بعد رّد سيفه الحرفي إلى مكانه. وأصبح يُشجع على السهر والصحو، بعد أن اختبر مرارة النوم. وأصبح راعيًا بعد أن ضلَّت خطواته، وتعثرت قراراته، فرجع إلى البحيرة والصيد. لكننا نراه الآن إناءً نافعًا للسيد، مُتأهبًا لكل عملٍ صالح، فيقوم بتثبيت إخوته. بل أخيرًا، نراه وقد أصبح مؤهلاً أن يخلع مسكنه، وأن يخرج من العالم بميتة لم يكن ينتظرها، لكن كان أمامه ـــــ وأمام مَنْ يكتب لهم ـــــ المجد الأبدي.

ف. ب. ماير



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6