نعم إنها لحظات قاسية جدًا عندما تُجبَر لسبب خارج عنك أن تنفصل عن شخص تعلَّقت نفسك به وأحببته من قلبك .. هذا ما حدث مع أليشع. قال له إيليا: امكث هنا لأن الرب قد أرسلني إلى بيت إيل. قال أليشع: حيٌ هو الرب وحية هي نفسك إني لا أتركك، ونزلا إلى بيت إيل .. وهناك خرج بنو الأنبياء إلى أليشع وقالوا له: هل تعلم أنه اليوم يأخذ الرب سيدك من على رأسك. فقال: نعم إني أعلم فاصمتوا. وتكرر ذات المشهد مرتين عندما ذهب إيليا إلى أريحا وإلى الأردن. وفي الأماكن الثلاثة أبى أليشع أن يترك إيليا بل كان يذهب معه. لكن العواصف دائمًا تأتي بما لا نشتهيه. عند الأردن قال إيليا لأليشع: «اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أوخذ منك». أوخذ منك! يا لها من كلمة قاسية على قلب أليشع! عندما سمعها من بني الأنبياء قال لهم: اصمتوا، وكأن آذانه لا يروق لها أن تسمع هذا الخبر. لكن ها قد اقترب وقت الرحيل، ولم يَعُد الصمت يُريح أو يفيد، فطلب أليشع نصيب اثنين من روح إيليا. فقال إيليا: إن رأيتني أوخذ منك يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون. وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما. يا لقسوة التعبير «فصلت بينهما»! لحظة شعر فيها ليس بأن إيليا رحل عن العالم، بل بأن شخصًا عزيزًا أُخذ منه هو شخصيًا، فصرخ: «يا أبي يا أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها». وكأنه يقول: قد كنت المركبة التي حملت إسرائيل، لكنك بالنسبة لي كنت أبي. ثم أخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وشق الأردن كما فعل إيليا، فقال الأنبياء: قد استقرت روح إيليا على أليشع. والسؤال الواجب الإجابة عنه الآن: مَن الذي أعطى أليشع القوة؟ رداء إيليا أم إيليا أم رب إيليا؟ لو قلت إن السر في الرداء فقُل لي كيف أخذ المعمدان قوة إيليا بدون الرداء؟ ولو قلت إن السر في إيليا، فقُل لي كيف أعطى إيليا روحه للمعمدان دون أن يراه؟ .. إنه رب إيليا يا صديقي الذي أعطى إيليا وأليشع والمعمدان والمستعد أن يعطيك القوة ذاتها، فقط إن تخلَّصت من الهلاوس الدينية ذات الطابع الوثني المرتبطة بتقديس المتعلقات المادية وإكسابها قوة سحرية وهمية. لقد تعلَّق أليشع بإيليا. التصق به ولم يفارقه. ثبَّت نظره عليه ولم يحوِّله عنه. ملأ آذانه بكلام إيليا «وفيما هما يسيران ويتكلمان» تغذى عليه فنال نصيب اثنين من روحه. أقول: لقد أخذ إيليا قبل صعوده قلب وعقل وروح أليشع، وأخذ أليشع نصيب اثنين من روح إيليا بعد صعوده. إن القوة الروحية الحقيقية يا صديقي مرتبطة بالغذاء وليس بالرداء.


ريمون جوزيف