إحدى الحقائق الأولى التي تستوقف انتباه دارس كلمة الله هي أن محتويات الكتاب المقدس، مثلها مثل زيت ودقيق الأرملة التي عالها إيليا، لا ينضب أبدًا. فعلى عكس كل الكتب الأخرى، لا يتَّسم الكتاب المقدس أبدًا بالرتابة والملَل، ولا تقل قدرته أبدًا على التجاوب لمتطلبات كل نفس محتاجة تأتي إليه. وكما كان المَّن يُعطى جديدًا كل يوم لشعب الله في البرية، هكذا روح الله يكسر ـ بصفة متجددة، وعلى الدوام ـ خبز الحياة، للجياع إلى البر. وكما أن الأرغفة الخمسة والسمكتين في يدي ربنا المجيد، كانوا أكثر من كفاية لإطعام الجموع الجائعة، بل وفضل منها، هكذا عسل ولبن كلام الله أكثر من كافٍ ليُشبع جوع كل نفس بشرية، وما زالت المعونة التي يقدمها الكتاب المقدس باقية كما هي بلا نقصان لأجيال جديدة.

ومع أن المرء يمكنه أن يعرف المحتوى الكامل لبعض أصحاحات الكتاب المقدس، كلمة كلمة، ومع أنه يستغرق وقتًا للتأمل بتفكير وعمق في كل جملة فيه، ولكنه في المرة التالية عندما يقرأ نفس النص مرة أخرى ـ بشرط أن يكون لديه روح الاتضاع ـ فإنه ستنكشف له جواهر جديدة لم يكتشفها من قبل، ويختبر أضواء جديدة لم يلتقِ بها من قبل أبدًا. إن أكثر الفقرات ألفة بالنسبة له ستُقدِّم إنعاشًا روحيًا في القراءة الألف يعادل نفس الذي ناله في أول مرة قرأها فيها. لقد تم تشبيه الكتاب المقدس بنبع ماء حي؛ فمع كون النبع يظل على الدوام كما هو، لكن الماء الخارج منه متجدد باستمرار.

وفي هذا يختلف الكتاب المقدس عن كل الكتب الأخرى؛ سواء كانت روحية أم دنيوية، فأيًا كان ما يوّد الإنسان قوله يكمن على سطح كتاباته، والقارئ البارع قادر على النفاذ إليها واستيعابها من قراءتها لمرة واحدة. ولكن ليس الأمر هكذا مع الكتاب المقدس. فمع أن الكتاب المقدس قد تمت دراسته وفحصه بتدقيق شديد أكثر من أي كتاب آخر، بواسطة كثيرين من أشد الناس ذكاء على مدى الألفي سنة الماضية (حتى إن عدد حروفه معروفة ومسجلة)، ومع أن كتبًا كثيرة جدًا كُتبت كتعليق وشرح على تعاليمه، ومع أن ملايين العظات أُلقيت وطُبعت لشرح كل جزء من الكتاب المقدس، لكن محتوياته لم يتم استنفاذها بعد، فهناك دُرر وروائع يتم اكتشافها ـ كل صباح ـ حتى يومنا هذا.


آرثر بنك