Wed | 2012.Oct.17

طوبى للحزانى


لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتًا ( ٢كو ٧: ١٠ )

عجيبة هذه التطويبة حقًا. فكلمة ”طوبى“ تعني مغبوطًا وسعيدًا. فكيف يكون الحزين سعيدًا؟ وكيف يمكن استخراج رحيق السعادة من أشواك الألم؟! إن أكثر ما تحاربه فلسفات البشر هو الحزن، فكيف يقول المسيح هنا: سعداء هم الحزانى؟

لكي نفهم قول الرب هنا علينا أن ندرك أن هناك أنواعًا من الحزن لا يمكن أن يقصدها الرب. فهناك حزن خاطئ، هو عند أصحابه هدف في ذاته، إذ يظنون أنهم بحزنهم يُرضون الله، الذي لا يحب الفرحين. (انظر متى6: 16)، لكن المسيح لم يَقُل هنا طوبى للعابسين.

وهناك الحزن الطبيعي، على الخسارة المادية أو الفشل الزمني وليس عن هذا أيضًا يتكلم الرب هنا.

لقد قال الرب في التطويبة السابقة: «طوبى للمساكين بالروح»، وبعدها قال: «طوبى للحزانى» ( مت 5: 3 ، 4). الترتيب هنا له معنى، ومعناه أنه إذ ينظر الإنسان إلى داخله، لا يجد إلا الفقر الأدبي والروحي، إذ لا يسكن فيه، أي في جسده، شيء صالح ( رو 7: 18 )، فتكون النتيجة أنه يحزن بسبب حالته هذه، وبسبب ما يفعله من خطايا أمام الله. نعم إن المسكين بالروح إذا نظر إلى نفسه، يقول باتضاع وشعور عميق: «إني هلكت» فيحزن، وينوح على حالته قائلاً مع إشعياء «ويلٌ لي».

هذا الحزن يُشبِه حزن العشار في لوقا18، وهو ينشئ توبة لخلاص. ولا يُشتَرط في هذا الحزن أن يصحبه عويل أو تشنج، لكنه حزن عميق وحقيقي وداخلي على ما في قلب الإنسان من عدم توافق مع قداسة الله.

هذه هي خطة الله .. فكما أن آلام المخاض يجب أن تسبق أفراح الولادة، هكذا ينبغي أن تحزن على خطاياك قبل أن تفرح بغفران المخلِّص لك ( لو 7: 37 - 50). تقرع على صدرك قبل أن تنزل إلى بيتك مُبررًا ( لو 18: 13 ، 14)، تشعر بالأسف والأسى على حياتك الماضية قبل أن يمتعك الله بالحياة الجديدة المجيدة. تصرخ صرخة حزن اليأس في ختام رومية7، قبل أن تتمتع بعزاء العتق في بداية رومية8.


يوسف رياض



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6