ماذا تحتاج الكنيسة اليوم؟
الدكتور أبو دورام
يوجد في تاريخ نمو أعداد الكنيسة في كوريا أسلوبان يستخدمهما الله هناك هما: الوعظ، والتلمذة، فمثلاً في كنيسة المحبة المشيخية عن طريق المؤتمرات الروحية والخدمات الإنتعاشية تتجمع الناس ويقوم القسيس بالوعظ لهولاء وثم يعمل من مجموعات بيتية من المؤمنين وغير المؤمنين.
أما الطريقة الثانية فهي حالياً جذابة في كوريا فهي طريقة التلمذة للقس(وك الكوري)، وهو يبتديء بمجموعة صغيرة للتلمذة وهذه المجموعة تكون من المؤمنين فقط، ويتلمذهم لكي يكونوا مشابهين صورة يسوع المسيح.
فالوعظ هو عمل يقوم به القسيس وحده، بينما مجموعة التلمذة تحتاج إلى كثيرين من الخدام وهذه الطريقة الأخيرة هي طريقة للتلمذة أصبحت تنتشر في كوريا من سنة 1990 وحتى الأن.
لكي نعرف ماذا يريد الرب أن يوضحه لنا، دعونا نقرأ اليوم من المقطع الكتابي الرائع من رسالة(كو1: 24ـ29)
الَّذِي الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ، الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ، الَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ. السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ، الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ. الَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.
عنوان موضوعنا في هذا اليوم هو{{ ماذا تحتاج الكنيسة اليوم؟}} يا ترى ما هي الطريقة التي يستخدمها الخدام اليوم في كنائسنا العربية؟ وماذا قال بولس الرسول لكنيسة كولوسي في هذا المقطع ؟(كو1: 28) "تكونوا مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ".
وكذلك قال الرب يسوع لنا في(مت28: 19ـ20) فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.
إذن كيف كل المؤمن يكون شاهداً وعاملاً بكلمة الله ولا نكون كسامعين فقط؟ ماذا تحتاج الكنيسة اليوم (كو 24:1-29).
أولا: أن تفرح في آلامك وتكون باذلاً كل اجتهاد في حياتك
ثانيا: أن تنذر وتعلم كل إنسان
ثالثا: أن تكون كاملاً في يسوع المسيح
أولا: أن تفرح في آلامك وتكون باذلاً كل اجتهاد في حياتك
قسيس كوري وهو ماشي فجأة وقع ونتيجة هذا الحادث ذراعه اليمنى أنكسرت، وفي نفس اليوم كان عنده خدمة بالكنيسة وكان يتأمل بهذه الكلمة وهي: {الآن أفرح في الآمي}وحاول أن يفرح بما قاله الله في كلمته. ولكنه لم يستطع لأنه لا يقدر أن يكتب الوعظ بيده اليمنى وبدأ يتعلم الطباعة على الكومبيوتر وأخيرا أدرك أن قصد آلامه كان لمنفعته وأن هذا كان سبب في تدريبه وتعليمه للطباعة على الكومبيوتر الذي وفر له المجهود والوقت في كتابة الوعظ. هل نحن أيضا نفرح عندما نقع في المعانات والضيقات والمشاكل؟ النص الكتابي الذي قرأناه اليوم لنا، لازم أنت تفرح في كل ضيقاتك.
الرب يسوع يتألم معنا في الآمنا فبعدما سقط شاول الطرسوسي أرضاً على طريق دمشق، سمع صوتا من السماء قائلا: " شاول شاول لماذا تضطهدني؟ ولكن لم يكن يقصد اضطهاد الرب، بل اضطهاد أولاده، غير أنه تعلم أنه باضطهاده للمؤمنين، كان في الواقع يضطهد الرب يسوع المسيح، فالرب يسوع هو رأس الكنيسة التي هي جسده. ويشعر الرب يسوع بآلام جسده أي كنيسته على الأرض. إذن ما هو جسده؟ جسده هو كنيسته والكنيسة هي مجموعة من المؤمنين المخلصين الذين قبلوا الرب يسوع في حياتهم ومصيرهم هو مشاركة المسيح في المجد الى الأبد.
إذن ينظر الرسول بولس إلى كل الآلام التي لابد المؤمنين أن يجتازوا بها لأجل الرب يسوع وهذه الآلام تشمل الألم من أجل ملكوت الله وبره، ولأجل الإنجيل. وعندما تتألمون أيها المؤمنون، لأجل المسيح، تأكد أن المسيح يتألم معك بشكل حقيقي جدا كما مكتوب في(العدد24) " أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة". فيسوع يتألم معك ولكن هل أنت تفرح في آلامك لأجل القديسين كما فرح بولس في السجن لأجل القديسين.
ثانيا: أن تنذر وتعلم كل انسان
نجد أن العبارة "التي صرت أنا خادماً لها" تشير إلى خدمة بولس في ما يتعلق بالكنيسة، وهذا يتضح لنا من العبارة التالية، "حسب تدبير الله المعطى لي لأجلكم" أي حسب توكيل الله، والسر المختص بجسد المسيح، لم يعلن له وحده فبولس الرسول اختاره الرب لنقل هذا الحق الثمين إلى الأمم. كان المعلمون الكذبة في كنيسة كولوسي يعتقدون أن الكمال الروحي سر وتدبير مخبىء لا يستطيع أن يعرفه إلا القليلين من المحظوظين، أي أنه ليس للجميع ويسمي الرسول بولس تدبير الله سراً وهذا ظل مخبىء قبل مجيء المسيح الأول، ولكن بعد مجيئه الأول أظهر هذا السر وهو الآن يحيا في قلوب كل المؤمنين، فرسالة المسيح هي لكل إنسان، لذلك كان الرسول بولس وتيموثاوس أينما ذهبا، يقدمان الإنجيل لكل من يستمع، إذن ما هي الكرازة الفعالة بالانجيل؟
الكرازة الفعالة بالإنجيل هي تتضمن التحذير والتعليم. والتحذير هو أن مصير الناس بدون المسيح هو الانفصال الأبدي عن الله، ولكن التعليم هو أن الخلاص متاح للجميع بالايمان بالمسيح. ويمكن أن نقول أن خدمة بولس ليس بواسطة الوعظ فقط، بل أيضا بواسطة التعليم والتحذير، يجب علينا اليوم كخدام الرب أن نركز على التعليم والتحذير. ولازم نقود مجموعة بيتية صغيرة من المؤمنين لأن التعليم والتحذير يقودان إلى التعمق في كلمة الله فيكون لدينا تلاميذ أقوياء وخدام أقوياء في الكلمة. هنا نسأل " كم كنيسة اليوم تركز على التلمذة والمجموعة البيتية الصغيرة من المؤمنين وتجتمع أسبوعياً لكي تعلم كل إنسان وتنذر كل إنسان. طيب ما هي الطريقة الجديدة للخدمة في الكنيسة التي نعيش فيها اليوم؟ بالتأكيد هي التلمذة.
التلمذة هي من خلالها يتدرب فيها الخدام. وهؤلاء الخدام يساعدون الراعي في الخدمة بالكنيسة، وهذه التلمذة تؤدي إلى النضج الروحي للمؤمنين الجدد حتى يكونوا مشابهين صورة ابنه يسوع المسيح. وكذلك لإقامة واطلاق خدام آخرين جدد لنمو الكنيسة. في كوريا معروف أن من أشهر القساوسة في الوعظ هو (اي دونغ وون) وقال هذه الكلمات: "لا يتغير المؤمنون في الكنيسة عن طريق سماع الوعظ فقط، ولكن لما هؤلاء المؤمنين يخدمون ويشاركون في مجموعة بيتية صغيرة للتلمذة فيصبح شخصاً جديداً في المسيح واختتم قوله، لا يمكن تغيير المؤمن بالوعظ فقط". لازم يكون هناك تلمذة للمؤمنين مع الوعظ. لأن الكنيسة اليوم تقوم بدور الأم والأب التي تربي أولادها. بولس الرسول لم يعظ إلى الناس فقط ولكنه علم الناس أيضاً. ومعناه وضع نفسه وخصص كل وقته لأجل كل شخص وقتها آمن بيسوع المسيح. هل أنا وأنت عندنا الاستعداد أن ندفع ثمن التكلفة للآخرين لكي يكونوا تلاميذ حقيقين للرب.
ما هي مهمتك كخادم ومومن؟ مهمتك عليك أن تتلمذ المؤمنين الجدد داخل الكنيسة، وأيضاً عليك أن تنذر غير المؤمنين لكي يقبلوا يسوع مخلص لحياتهم ولكن كيف يكون الإنذار لغير المؤمنين بالمحبة؟ ولكل شخص بمفرده أيضا، معلمين المؤمنين القديسين الحقائق العظمى للإيمان المسيحي ومحذرين غير المخلصين. لو سألت سؤالا مَنْ هم المؤمنون الجدد في هذه السنة الموجودين الآن معنا؟ من هم الأشخاص الذين على قلبك وتريد أنت أن تكرز لهم؟ دعنا نكرز لنفس واحدة على الأقل في هذه السنة.
ثالثا: أن تكون كاملا في يسوع المسيح
كلمة " كَامِلاً " هنا معناها "ناضج" وليس "بلا عيب" فالرسول بولس كان يريد أن يرى كل مؤمن "ناضجاً" روحياً ولكي نصل لدرجة "النضج" يجب أن تنمو يومياً في الإيمان، لذلك نحن اليوم نحتاج إلى تلمذة لكي نكون ناضجين روحيا وبولس يريد لنا أن نكون مؤمنين ناضجين وراسخين في الحق. ومكتوب في(العدد29) الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.
ونجد في العبارة " أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا" تشير إلى أنه مستعد أن يتعب حتى الموت، ولكن لم يفعل هذا بقوته الذاتية، بل "بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ." وبكلمة أخرى بولس اتكل على قوة الله التي هي قوة الروح القدس والتي كانت تشدد وتعضد.
وفي الحقيقة أن الرب كان يعمل في بولس بقوة الروح القدس خلال انتقاله من مكان إلى مكان لغرس الكنائس أي لغرس المؤمنين جدد في جسد المسيح. وهذا ما كان بولس يفعله في كل الوقت وباستمرار بكل ما يمنحه الله من قوة. هل نحن نعمل بحسب عمل قوة الله فينا اليوم أم نحن نعمل بقوتنا الذاتية لخدمة الكنيسة؟
يمكن أن يتوب الناس ويخلصون بواسطة الوعظ ولكن هؤلاء هم أطفال في المسيح يحتاجون إلى نمو روحي يومي، وكيف ينموا؟ عن طريق النضج الروحي والتلمذة والتأملات في كلمة الله الذي من خلالها تنمو الكنيسة سواء مجموعة كبيرة أو صغيرة.
قال الرب يسوع لتلاميذه هذه الكلمات في(مت28: 20) وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. فمشاركتنا في المجموعة الصغيرة أو في الكنيسة لابد أن تكون عن طريق التلمذة حتى نطبق مباديء الرب في الكرازة وهي نعلم آخرين حتى يحفظوا جميع ما أوصى الرب به. وهذا ما يسمى بالتلمذة الذي من خلالها تنمو الكنيسة في وقتنا الحاضر، والذي يقرر نمو الكنيسة هو نوعية التلمذة التي تقوم بها الكنيسة أي الخدام القائمين بالخدمة. والكلمة الأخيرة " عندما تكون ناضجا روحيا تصبح مشابها لشخص المسيح وهذا هو سر قوة في نمو الكنيسة.